خلق القيمة للمساهمين والمعنيين والمجتمع: استدامة الشركات في الشرق الأوسط
تشير دراسات عديدة إلى أنّ اعتماد المعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات يرتبط ارتباطًا مباشرًا بارتفاع قيمة سعر أسهم الشركات (غونار فريدي وغيره، المعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات والأداء المالي: أدلّة مجمّعة من أكثر من ألفَي دراسة، مجلة التمويل والاستثمار والتنمية المستدامة).
وبحسب تقرير نشرته شركة ماكنزي أند كومباني، ورد التالي: “ترتبط المعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات بالتدفّق النقدي من خلال خمسة عناصر مهمّة وهي: (1) تسهيل نمو الإيرادات الإجمالية، و(2) الحد من التكاليف، و(3)، الحدّ من التدخّلات التنظيمية والقانونية، و(4) زيادة إنتاجية الموظّفين، و(5) وترشيد مصاريف الاستثمار ورأس المال”. فالاستدامة ليست مجرّد صيحة رائجة في مجال الأعمال، ويجب دمجها في قواعد حوكة الشركات.
يُمكننا القول إنّ حوكمة الشركات هي النظام المعتمد لإدارة الشركات وتنظيمها، لأنّها تشمل الهيكليات الإدارية إلى جانب هرميّة الأعمال والتنظيم الرسمي داخل الشركة (سبيتزيك وهانسن). أمّا حوكمة الاستدامة، فتُعنى بأداء الاستدامة للشركة في المستقبل، ويُمكن اعتبارها عاملًا يساهم في خلق القيمة للمساهمين والمعنيين والمجتمع عمومًا. من شأن التركيز على الاستدامة أن ينقل الأولويات من قصيرة الأمد إلى طويلة الأمد. وفي هذا السياق، تُشكّل حوكمة الاستدامة جزءًا من نظام حوكمة الشركات العام الذي يركّز على مسائل الاستدامة.
أبعاد حوكمة الاستدامة
بحسب الباحثَين شنايدر وماينز، هناك ثلاثة أبعاد لحوكمة الاستدامة:
- المواصفات الاستراتيجية والهيكلية للنظام
- العمليات ضمن المؤسّسات لتطبيق استدامة الشركة وإدارتها
- مواصفات تخصّ تنظيم العلاقات الخارجية مع بيئة الشركة
تُشكّل الهيكليات والعمليات العناصر الأساسية لتحويل مبدأ الاستدامة إلى أكثر من مجرّد فعل حُسن نية وكلمة رائجة في عالم الأعمال. لذا إلى جانب تحليل التقارير التي تنشرها الشركات حول مسؤولية الشركات ومسؤولية الشركات الاجتماعية، هناك مقاربة ممتازة يُمكن اتّباعها وهي تحديد مكوّنات الهيكليات والإجراءات التي تحدّدها الشركات في هذه التقارير.
معظم الشركات الكبرى في الشرق الأوسط تطبّق حاليًا شكلًا من أشكال قياس أداء الاستدامة وإعداد التقارير بهذا الشأن. ويعود ارتفاع مستوى إعداد التقارير حول الاستدامة بين الشركات الكبرى في أغنى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (أي المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة) إلى أجندة التنمية المستدامة التي فرضتها الحكومات في تلك الدول. وكانت الحكومات قد أطلقت هذه الالتزامات للتعبير عن رؤيتها الريادية لتحويل اقتصادها كي يتكيّف مع العالم الجديد بعد جائحة كورونا.
لكن إلى جانب التحليل المعمّق للتقارير حول الاستدامة الصادرة عن الشركات، يُمكن اعتماد أداة ممتازة لقياس مستوى تقدّم مسؤولية الشركات، وهي مؤشر ستاندرد آند بورز/ حوكمة الأسواق في الدول العربية. يُمكن للمستثمرين على الصعيدين الدولي والإقليمي الرجوع إلى هذا المؤشّر للاطلاع على مستوى المعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات خلال عملية الاستثمار. هذه الأداة مثالية لمقارنة هذه المعايير بحسب الشركة وسعر أسهمها.
يتمّ احتساب هذا المؤشّر لـ50 شركة تُعدّ الأبرز والأكثر سيولةً المدرجة في البورصات المحلية في الأسواق الـ11 الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهي البحرين ومصر والأردن ولبنان والكويت والمغرب وعمان وقطر والسعودية وتونس والإمارات. ويختلف قياس البيانات البيئية والاجتماعية المكشوفة بحسب تأثيرها.
يعتمد هذا المؤشّر منهجية مميّزة لقياس المعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات قبل ترجمتها إلى نظام تقييم يستند إليه المحلّلون لتصنيف كل شركة مقارنةً بمثيلاتها في أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يتمّ التقييم على أساس النوعية والكمية والنتيجة المركّبة/النهائية.
يشمل مؤشّر الحوكمة 197 مقياسًا أو سؤالًا حول الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، ويقيس مدى تطوّر مفهوم الاستدامة.
- تمّ تحديد 127 مقياسًا لحوكمة الشركات:
- حقوق المساهمين
- عملية التدقيق
- المؤشرات المالية والتشغيلية
- مواصفات الإدارة ومجلس الإدارة
- هيكلية الملكية
- أخلاقيات العمل
- تمّ تحديد 70 مقياسًا للحوكمة البيئية والاجتماعية:
- البيئة
- الموظّفون
- المجتمع
- المستهلك/المنتج
الشركات المدرجة على المؤشّر هي تلك التي تنشر المعلومات المتعلّقة بالاستدامة انطلاقًا من عدّة مبادئ توجيهية حول هذا المفهوم، ويُمكن اعتبار هذه الشركات رائدة في مجال اعتماد هياكل الاستدامة وتطبيقها.
في ما يلي أوّل 10 شركات بحسب موازين المؤشّر التي نُشرت في شهر أبريل 2022:
أول 10 شركات بحسب موازين المؤشّر
الشركة | القطاع* |
شركة الدار العقارية | العقارات |
شركة التعدين العربية السعودية | المعادن |
بنك أبوظبي التجاري | الخدمات المالية |
بنك أبوظبي الأول | الخدمات المالية |
مجموعة الإمارات الاتصالات | خدمات الاتصالات |
شركة الألمنيوم البحرين | الخدمات المالية |
الشركة السعودية العالمية للبتروكيماويات | الخدمات المالية |
الشركة السعودية للصناعات الأساسية | الخدمات المالية |
شركة دبي للاستثمار | الصناعة |
بنك البلاد | الخدمات المالية |
التصنيف بحسب البلد/المنطقة
البلد/المنطقة | عدد الشركات | موازين المؤشّر (%) |
الإمارات العربية المتحدة | 15 | 34.4 |
السعودية | 15 | 30.8 |
قطر | 6 | 9.6 |
البحرين | 5 | 9.2 |
الكويت | 3 | 5.6 |
عمان | 2 | 4.2 |
المغرب | 2 | 2.8 |
الأردن | 1 | 2 |
مصر | 1 | 1.3 |
بحسب مقرّ مكوّنات المؤشّر
المصدر: مؤشّر داو جونز الصناعي
تواكب كل هذه الشركات الممارسات المُثلى العالمية، فتدمج الاستدامة في بعض هيكلياتها وعمليّاتها. ينعكس ذلك في تقارير الاستدامة ومسؤولية الشركة الاجتماعية التي تنشرها هذه الشركات، بحيث تشير النتائج إلى أنّ مسألة الاستدامة قد دخلت إلى هيكليات الحوكمة. لكن لا تدمج كل الشركات العناصر ذاتها عند إعداد حوكمة الاستدامة. بالمختصر، يُمكن تحديد بعض البنود أدناه على أنّها جزء من هيكلية الشركات الواردة في الجدول أعلاه:
- إعداد قسم الاستدامة
- التصريح عن القيم المتعلّقة بالاستدامة
- تأليف لجنة للاستدامة
- دمج مفهوم الاستدامة في رسالة الشركة ورؤيتها
- تعيين رئيس للاستدامة: لتحمّل المسؤوليات والقيادة بشكل مباشر
- سياسة الاستدامة: تُعنى بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والبيئية
- استراتيجية الاستدامة: الفرص والتهديدات
- قواعد السلوك: التزام الشركة بمبدأ الاستدامة
أمّا العمليات، فليست كلّها حاضرة في نظام حوكمة كل شركة، لكنّنا وجدنا العناصر التالية في كل الشركات:
- إعداد التقارير بشأن الاستدامة وتقديم التطمينات: على المدى القصير والمدى الطويل
- التدريب حول الاستدامة: لجميع الموظّفين
- لجنة تنفيذية متعدّدة الاختصاصات تُعنى بالاستدامة وفرق عمل تابعة لها
- مبادئ توجيهية خاصة بالاستدامة ومجالس استشارية خارجية
- أنظمة الإدارة البيئية
- إشراك المعنيّين والإدارة وغيرهم
- الالتزام على مستوى القيادة: توجيهات واضحة على مستوى المدير التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة، والتأثير الاستراتيجي والقيادة الملتزمة
تعمد معظم هذه الشركات إلى تطبيق أنظمة للإدارة البيئية والاجتماعية وتحدّثها بصورة متواصلة، والهدف منها تحسين مراقبة الشركات لأدائها في مجال الاستدامة ولكيفية تطبيقها وذلك استنادًا إلى توفّر المعلومات والنتائج بوضوح. تلجأ شركات أخرى إلى المبادئ التوجيهية التي وضعتها المبادرة العالمية للتقارير (GRI) لإعداد التقارير حول الاستدامة. ويمكن اعتبار هاتَين المقاربتَين آليّتَين على المستوى الإجرائي لحوكمة الاستدامة إذ أنّهما تتيحان للشركات مراقبة أنشطتها في مجال الاستدامة وإدارتها بشكل أفضل. ومن شأن أنظمة الإدارة البيئية كما إعداد التقارير حول الاستدامة أن يحسّن نظام المعلومات والشفافية ممّا ينعكس إيجابًا على سير العمل.
التدخّل الحكومي
برأينا، وإذا ما أردنا مواصلة تطوير استدامة الشركات في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا بدً من تدخّل حكومي ما على صعيد التوجيهات التنظيمية حول ممارسات الحوكمة المستدامة.
قد يكون إعداد التقارير مفيدًا على صعيد توحيد الإجراءات التي تتّبعها الشركة وتقارير التواصل مع المعنيين. يُمكن أن يتولّى هذه المهمّة هيئات الأسواق والأوراق المالية أو البورصة، من خلال إدخال التعديات على مبادئ حوكمة الشركات. قد تشمل الأنظمة أفضل الممارسات في مجال حوكمة الاستدامة المذكورة في المبادئ التوجيهية التي وضعتها المبادرة العالمية التقارير. ومن الأمثلة على هذه المبادرات التنظيمية حول العالم نذكر معايير محاسبة الاستدامة SASB وعدّة مؤسّسة التمويل الدولية (التابعة لمجموعة البنك الدولي) لضمان الشفافية والإفصاح عن المعلومات.
هذا ويجب التركيز أكثر على توسيع نطاق التدريب وإجراءات الاستدامة لتطال جميع الموظّفين. سبق ورأينا تجارب في بنوك سعودية تثبت بأنّ هذه الممارسة تعزّز التزام الموظّفين بالشركة، كما تحسّن النتائج التشغيلية في مختلف الأقسام.
يُشار إلى أنّ أبرز مبادرات مسؤولية الشركات في البنوك السعودية كانت في مجال التعليم والتدريب والرعاية الصحية، وعالجت مشاكل الفئات المهمّشة في المجتمع، كما خلقت الوظائف للعاطلين عم العمل (بحسب البنك السعودي المركزي). كما يُمكننا أيضًا على سبيل المثال النظر إلى بنك بوبيان في الكويت، الذي أشار في تقريره حول الاستدامة عام 2020 إلى ما يلي:
- تكافؤ فرص العمل تعزيزًا للتنوّع
- بناء القدرات من خلال التدريب وإتاحة الفرص
- التركيز على تطوير قدرات الشباب
- الاحتفاظ بنسبة عالية من الموظّفين
- سياسات الموارد البشرية التي تعزّز حقوق الموظّفين والامتيازات المقدّمة إليهم وسلامتهم
- تقدير الأداء وتقديم الجوائز
علاوةً على تحليل المعلومات التي تنشرها الشركات نفسها، من المفيد تقييم تطوّر استدامة الشركات على أرض الواقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإجراء دراسات حالة معمّقة لكشف ما إذا كانت الشركات تُدخل مفهوم الاستدامة فعلًا في استراتيجية عملها الأساسية.
بالنظر إلى المستقبل، هناك ناحية أخرى لترسيخ ثقافة استدامة الشركات في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي قياس تأثير حوكمة الاستدامة على أداء المعنيين على الصعيدَين الاجتماعي والبيئي.