هل تقليص أيّام العمل في الأسبوع يؤدّي إلى تحسّن في الأداء؟
أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا أنّ عطلة نهاية الأسبوع الرسمية ستكون يومَي السبت والأحد مع تقليص ساعات العمل يوم الجمعة، وذلك اعتبارًا من شهر يناير 2022. يهدف هذا القرار إلى مواءمة أيّام العمل مع الأسواق العالمية، مع الإشارة إلى أنّ المؤسّسات الحكومية بدأت باعتماد النظام الجديد، على أن يبقى اختياريًا للقطاع الخاص، حيث تملك الشركات حرية القرار لاعتماد نظام العمل الأسبوعي الجديد، وذلك بحسب احتياجاتها ونموذج العمل وثقافة الشركة. تنعكس هذه الخطوة على الموظّفين أيضًا، حيث أصبح بإمكانهم اختيار جدول أعمال أنسب لهم، بما يتوافق مع احتياجاتهم وأسلوب حياتهم ومرونتهم.
وبذلك أصبح أسبوع العمل في دولة الإمارات الأقصر بين دول الشرق الأوسط، ولاقى الترحيب من الموظّفين في البلاد كما من خبراء الموارد البشرية. للوهلة الأولى، يبدو أسبوع العمل الأقصر حافلًا بالمزايا للموظّفين ويُشكّل خطوة واعدة نحو تعزيز أداء الموظّفين وتحفيزهم على العمل.
للإضاءة على هذا الموضوع، جلستُ مع الخبيرة في مجال إدارة الأداء د. منى رزق لله حردان، منسّقة اختصاص الماجستير في القيادة وإدارة الموارد البشرية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة القديس يوسف في بيروت، لأستشفّ آراءها حول هذه الخطوة وما إذ كانت بالفعل مفيدة للشركات التي تعتمدها.
ما هو أسبوع العمل رباعي الأيّام بالتحديد؟
نستدلّ من اسمه أنّ أسبوع العمل هذا يشمل أربعة أيّام عمل فقط، بدلًا من الأيّام الخمسة التي اعتدنا عليها. أمّا من ناحية عدد ساعات العمل، فقد حُدّد أسبوع العمل رباعي الأيّام بين 35 و30 ساعة عمل، وذلك بحسب البلد أو الشركة، مع الحفاظ على الراتب نفسه، ممّا يتيح بالتالي للموظّفين ثلاثة أيّام من العطلة.
يُشار إلى أنّ تقليص ساعات العمل ليس بالأمر الجديد، بل هو صيحة عالمية بدأت في شمال أوروبا، حيث يُعتبر التطوير على الصعيد الشخصي والصحة النفسية في مكان العمل من القيم الأساسيّة التي يقام لها كل اعتبار. ولعل أبرز التجارب في هذا المجال جرت في آيسلندا، حيث أتيح لـ2500 مواطن بين عام 2015 وعام 2019 العمل لأربعة أيام في الأسبوع مقابل تقاضي الراتب نفسه. وأظهرت دراسة أجراها مركز الأبحاث البريطاني “أوتونومي” Autonomy أنّ هذا التغيير في نظام العمل لم يؤثّر إطلاقًا على إنتاجية الموظّفين.
أمّا في السويد، فيعمل الموظّفون لمدّة 30 ساعة في الأسبوع، ممّا رفع مكانة السويد إلى المرتبة الثانية على قائمة السعادة و”الحياة الأفضل” لعام 2016 الصادرة عن منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
في هولندا، يعمل الموظّفون لمدّة 30 ساعة في الأسبوع كحدّ متوسّط، على ألا يتخطّى دوام العمل اليومي 10 ساعات، وبحيث هم يختارون دوام عملهم ويوزّعون ساعات العمل كما يشاؤون.
يخال للبعض أنّ هذا النظام مفيد لصحّة الموظّفين النفسية فحسب، إذ يُعزّز شعورهم بالسعادة، لكن في الواقع، من شأن العمل لأربعة أيّام فقط أن يزيد من إنتاجيّتهم بالإضافة إلى تعزيز صحّتهم النفسية في مكان العمل.
هل صحيح أنّ أسبوع العمل رباعي الأيّام يؤمّن توازنًا أفضل بين الحياة المهنية والحياة الشخصية؟
طبعًا. تُشير الإحصاءات إلى أنّه مع بداية عام 2022، أكثر من 60 في المئة من القوى العاملة تنتمي إلى الجيلَين Y وZ، في حين أنّ هذين الجيلَين سيمثّلان 75 في المئة من القوى العاملة بحلول عام 2025. إنّ التوازن بين الحياة المهنية والحياة الشخصية هو أحد أهمّ المعايير بالنسبة إلى الأجيال التي تريد العمل بطريقة أذكى عوضًا عن ساعات أطول، ضمن بيئة عمل تُساهم في تعزيز صحّتهم النفسية. لا ينظر هؤلاء إلى الشركة على أنها مورد مالي واجتماعي، بل بات الموظّفون يتوقّعون عوامل عدّة من الشركات التي يعملون لديها، منها على سبيل المثال التطوير على الصعيد الشخصي وجودة الحياة في مكان العمل. أمّا الشركات التي تعتمد على صورتها كربّ عمل لتستقطب المواهب الشابة، فالتوازن بين ساعات العمل والوقت المخصّص للحياة الشخصية يُشكّل حجّة قوية يمكن طرحها على الطاولة عند التوظيف.
هل يؤثّر قرار تقليص أيّام عمل الأسبوع إيجابًا على الإنتاجية والأداء؟
أفادت منظّمة العمل الدولية بأنّ العمّال الذين يعملون لساعات طويلة تتعدّى ثماني ساعات في اليوم و/أو يتحمّلون أعباء عمل ثقيلة، أعربوا عن تراجع حماسهم للعمل، الأمر الذي أثّر على أدائهم وبالتالي على الإنتاجية. ولعلّ مصنع تويوتا خير مثال على ذلك. فعام 2002، اعتمد مصنع تويوتا في مدينة غوتنبرغ في السويد نظام العمل لـ30 ساعة في الأسبوع، وبعد 19 عامًا، زادت أرباح شركة تويوتا بنسبة 25 في المئة. وأكثر من ذلك، أشار مدير المصنع إلى أنّ اعتماد أسبوع العمل رباعي الأيّام ساهم في الحدّ من دوران الموظّفين كما سهّل عملية التوظيف.
كما أظهرت دراسة أجراها تشارلز ج. هوبسن من جامعة إنديانا نورث ويست أنّ عدم احترام التوازن بين الحياة المهنية والحياة الشخصية له تداعيات على الصعيد الشخصي تتجلّى بالإجهاد والتوتّر، كما تنعكس على العمل من خلال انخفاض الحماس وتزايد وتيرة التغيّب عن الدوام. في المقابل، تبيّن من دراسة أجرتها جامعة أكسفورد وشملت 5 آلاف شخص يعملون أربعة أيّام في الأسبوع في شركة الاتصالات البريطانية “بريتيش تيليكوم” ـ أنّ الموظّفين أكثر سعادةً، إذ سجّلت مكالماتهم مستويات رضا أفضل من قِبل العملاء، ممّا أفضى إلى تحسّن الإنتاجية على مستوى الشركة ككُل.
كيف يؤثّر تقليص أيّام العمل في الأسبوع على الالتزام بالعمل؟
لا شكّ في أنّه يُساهم في تعزيز الالتزام بالعمل. عام 2018، اختبر أندرو بارنز نظام العمل لأربعة أيّام في الأسبوع بمجموع 32 ساعة في شركته “بربتشوال غارديان” Perpetual Guardian التي تُقدّم خدمات مالية وتتّخذ من نيوزيلندا مقرًا لها. لمس قادة الفريق خلال هذه الفترة تراجعًا في نسبة التغيّب عن العمل، ولاحظوا أنّ الموظّفين يصلون على الوقت، ويأخذون استراحات أقل، ولا يهدرون الوقت على تصفّح مواقع التواصل الاجتماعي، لا بل يبحثون عن سبل للعمل بمزيد من الكفاءة. علاوة على ذلك، لاحظ قادة الفريق أنّ الموظّفين مرتاحون أكثر وملتزمون أكثر بعملهم من خلال إنجاز مهامهم بوقت أقل.
يعتبر بعض الباحثين أنّ تقليص دوام العمل إلى 4 أيّام في الأسبوع يُشكّل ضرورة لا بدّ منها لمواكبة تطوّر التكنولوجيا، في حين يرى البعض الآخر ضرورة توفير ظروف محدّدة لضمان نجاح تقليص أيّام العمل.
من جهتها، تعتبر إيزابيل راي-ميليه، وهي أستاذة في الإدارة في جامعة ESSEC للأعمال، أنّ تقليص ساعات العمل هو بمقدور كافة الشركات اليوم، في مختلف القطاعات، إذ أنّ العديد من المهام يُمكن إنجازها عن طريق الاستعانة بالذكاء الاصطناعي والأدوات الرقمية، ممّا يفسح المزيد من الوقت أمام الموظّفين للتركيز على مهام استراتيجية وأهمّ.
ما هي الظروف الواجب تأمينها من أجل ضمان نجاح تقليص أيّام العمل في الأسبوع؟
هناك ظرفان أساسيّان لا بدّ من توافرهما لضمان نجاح أسبوع العمل القصير، وهما:
تنظيم جديد لسير العمل: العمل لمدّة 30 ساعة في الأسبوع يتطلّب الاستغناء عن المهام غير الضرورية، وتعزيز روح العمل الجماعي، وتحسين التواصل والتحضير بشكل أفضل لضمان استمرارية تقديم الخدمة إلى العملاء. أمّا لجهة الموظّفين، فيترتّب عليهم إدارة وقتهم بشكل أفضل وذلك من خلال إلغاء الاجتماعات غير الضرورية وترتيب المشاريع بحسب الأولوية.
تنظيم اليوم الخامس: لا يكفي أن تقوم الشركات بتقليص ساعات العمل فحسب، بل يجب أن تعير الكثير من الاهتمام إلى الوقت الذي سيمضيه الموظّفون في يوم العطلة الذي اكتسبوه. يجدر بها تشجيع الموظّفين على تكريس وقت فراغهم للعائلة والعمل التطوّعي وتطوير ذاتهم على الصعيد المهني. يُستحسَن أن تحذو الشركات حذو شركة مايكروسوفت، وتموّل بعض الأنشطة مثل الرحلات العائلية واليوغا والرياضة. بالفعل، لمست مايكروسوفت النتائج على الفور فسجّلت زيادة مبهرة في المبيعات بنسبة 40 في المئة، مقارنةً بالشهر ذاته من العام السابق.
قد يبدو أسبوع العمل رباعي الأيّام حكاية من حكايات الخيال، خصوصًا وأنّه يؤدّي إلى تعزيز صحّة الموظّفين النفسية وأدائهم وزيادة إنتاجيّتهم. هل يُعقل ألا نعتمد هذا التنظيم الجديد لساعات العمل الذي تفرضه علينا بيئة العمل الجديدة؟ إنّها تجربة تستحقّ التعميم.