المرأة العربية في مراكز القيادة: خلق بيئة عمل أكثر شموليةً
غالبًا ما نحتفل بالمرأة في الشرق الأوسط عندما تنجح في اختراق السقف الزجاجي وتتقلّد أهم المناصب الريادية، فيزيد تمثيلها في مكان العمل، الأمر الذي يُساهم تدريجيًا في سدّ الفجوة بين الرجل والمرأة.
من الملفت كيف نجحت المرأة في الشرق الأوسط، في غضون جيل واحد، في تحقيق كل هذه الإنجازات، مع أنّها لا تزال تواجه نظامًا ذكوريًا إلى أبعد حدود.
يحتلّ اليوم عدد أكبر من النساء الصدارة في المجالَين السياسي والاقتصادي، ويعملنَ من دون كلل من أجل تحقيق التغيير على الصعيد الاجتماعي في بلدانهنّ. فقد أصبحنَ قدوةً للفتيات والشابات في المنطقة، ويفسحنَ المجال أمام الأجيال المقبلة من النساء لتحقيق أحلامهنّ والنجاح والتحلّي بالثقة بالنفس.
لا بدّ من التنبّه إلى هذا الأمر إذا ما أرادت الشركات في الشرق الأوسط أن تصبح أكثر شموليةً، وبالتالي أكثر تنوّعًا.
ولعلّ أحد أكثر الأمثلة الملهمة على ذلك الشيخة العنود بنت حمد آل ثاني، نائب الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للأعمال في مركز قطر للمال.
فتقلُّدها لمنصب تنفيذي في مجال لا يزال حكرًا على الرجال يُشكّل قدوة واضحة وملموسة للشباب، وتحديدًا الشابات، حول الأشواط التي يُمكنهم قطعها في مسيرتهم المهنية في مجال المالية، ممّا يلهمهم على خوض هذا المجال. والأهمّ أنّ الشيخة العنود، بصفتها رئيس أحد أقسام الشركة، تساهم في تشجيع هؤلاء الشابات على التحلّي بالثقة بقدراتهنّ على إحداث الفرق في مسيرتهنّ المهنية، أيًا كانت.
اختار المنتدى الاقتصادي العالمي الشيخة العنود من بين “القادة الشباب العالميين”، وهي ترى في ذلك فرصةً والتزامًا، تنطوي على التفاعل مع غيرها من القادة الشباب لتحسين مجتمعاتهم وإطلاق المبادرات الريادية وتطوير الطرق التقليدية لإجراء الأعمال، وتبادل الخبرات والمعارف، وطرح أفكار جديدة ومبتكرة، والتعبير عن آرائهم أمام صنّاع القرار حول العالم.
في هذا الصدد، تقول الشيخة العنود: “يوازي ذلك أهميّةً التزامنا بإحداث تغيير عميق وإيجابي في المجتمع، وبأن نصبح قادة مؤثّرين نتحلّى بمسؤولية أكبر وبتفكير استراتيجي، وإلهام الأجيال الشابة من قادة المستقبل – وأنا آخذ هذه المسألة على محمل الجدّ كامرأة عربية توّاقة لرؤية عدد أكبر من النساء في مجتمعاتنا يتقلّدنَ أرفع المناصب”.
في بداية مسيرتها المهنية، وعلى غرار الكثير من النساء، شعرت الشيخة العنود بأنّه عليها بذل جهود أكثر لتثبت نفسها وتفرض وجودها. لكن بالنظر إلى الوراء، شكّلت كل تلك الجهود الإضافية رافعةً لمسيرتها المهنية، وكان عليها التركيز على الجهة المقابلة من الحواجز لإيجاد سبيل أو بناء مسار لخرقها.
تتابع الشيخة العنود لتقول: “كنت محظوظة بالانضمام إلى مؤسّسة ملتزمة بإرساء ثقافة تقدّر أهميّة الشمولية والمساواة بين الرجل والمرأة، لذا أنسب جزءًا من الفضل في مشواري القيادي إلى الدعم الذي حظيتُ به من زملائي الرجال ومن الفريق عمومًا في المؤسّسة. ”
يسعى مركز قطر للمال إلى تعزيز تكافؤ الفرص في مكان العمل وضمن منظومة الأعمال في البلاد، باعتباره أحد مراكز المال والأعمال الرائدة في العالم والأسرع نموًا لدعم هدف دولة قطر بأن تصبح اقتصاد متنوّع ومستدام يقوم على المعرفة،.
لتحقيق هذا الهدف الطموح، طبّق المركز أنظمة داخلية بالتوافق مع أفضل الممارسات الدولية، منها تكافؤ فرص العمل بين الرجال والنساء، والمساواة في الأجر لقاء العمل ذي قيمة متساوية، إلى جانب 14 أسبوعًا من إجازة الأمومة المدفوعة عملًا بأحكام الاتفاقية رقم 183 الصادرة عن منظّمة العمل الدولية، ومنع الصرف عن العمل بسبب الزواج أو الأمومة.
في هذا الإطار، طرح المركز فرص عمل بدوام جزئي بهدف زيادة المرونة وتأمين توازن أفضل بين الحياة المهنية والحياة الشخصية، كما خصّص غرفة للرضاعة ليتيح للأمّهات العائدات من إجازة الأمومة إطعام صغارهنّ أو سحب الحليب.
على ضوء ذلك، تُشكّل النساء 37 في المئة من القوى العاملة في مركز قطر للمال، فيما توظّف الشركة، كمنصّة عمل، نحو ألفَي امرأة، أي ما يعادل 31 في المئة تقريبًا من مجموع القوى العاملة.
أماكن عمل تقوم على التوازن في تمثيل المرأة
تشرح الشيخة العنود أنّه وعلى الرغم من زيادة الوعي حول الفوائد الملحوظة لمكان العمل الذي يؤمّن التوازن في التمثيل بين الرجل والمرأة، لا يزال تمثيل المرأة ناقصًا في معظم الشركات والمؤسّسات، وتحديدًا في مجالس الإدارة. في الواقع، تُشير شركة ديلويت إلى أنّ أقل من 20 في المئة من المناصب الإدارية العليا في العالم شغلتها النساء عام 2021.
وتقول في هذا السياق: “إذ ما أردنا سدّ هذه الفجوة، لا بدّ من دخول عدد أكبر من النساء إلى القطاع كي نتمكّن من زيادة عدد النساء الذي يُمكن تدريبه وترقيته إلى مناصب إدارية وبعدها إلى مراكز تنفيذية”.
صحيح أنّ المؤسّسات المالية باتت اليوم تركّز أكثر على التنوّع والشمولية، غير أنّ وجود قدوة لا يزال أحد أهمّ العوامل المحفّزة لاستقطاب النساء إلى هذا القطاع، أو إلى أي قطاع عمومًا. “هذا ضروري حتمًا إذا كنّا نريد رؤية مكان عمل يتّبع التوازن والشمولية في التمثيل فعلًا”.
لقد كانت دولة قطر فاعلة جدًا على هذا الصعيد. في الواقع، ساهم اندفاع الدولة لتمكين المرأة في ارتفاع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل في قطر إلى 57 في المئة عام 2020 – وهي النسبة الأعلى في الشرق الأوسط، وأعلى من المتوسط العالمي، بحسب البنك الدولي.
تحتل المرأة القطرية اليوم الطليعة في العمل الدبلوماسي المُبتكر والتحوّلي في دولة قطر، حيث تعمل نحو 200 امرأة على مستويات مختلفة في السلك الدبلوماسي، فتُمثّل أكثر من 30 في المئة من مجموع القوى الدبلوماسية.
بالنسبة إلى الشيخة العنود، وبهدف تشجيع المرأة على المشاركة في مواقع قيادية، لا يكفي فتح المجال أمامها فحسب، بل يجب أيضًا مدّها بالدعم والخبرات والفرص كي تحتلّ مراتب أعلى.
فتقول في هذا السياق: “من شأن تقلّد مناصب قيادية أن يعطيك الفرص لتمكين الآخرين، ولا سيما النساء، إمّا من خلال القيادة بالقدوة الحسنة أو باتّخاذ قرارات مدروسة تحفّز التنوّع والمساواة بين الرجل والمرأة في مكان العمل. أشجّع الجميع على الاستفادة من هذه الفرص لإرساء ممارسات العمل العادلة ضمن مؤسّستهم”.
يأتي ذلك في وقت يحثّ الشركات على إعادة نظر في سياساتها المتعلقة بالموارد البشرية والانتقال إلى اعتماد مقاربة أكثر شمولية بشكل بديهي. عند تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة على مستوى التمثيل في مكان العمل، وعلى مستوى الفرص والأجر العادل والتوازن السليم بين الحياة المهنية والحياة الشخصية، فإنّ ذلك سيؤدي حتمًا إلى عالم تسوده العدالة الاجتماعية، حيث يُمكن للناس والشركات والمؤسّسات النجاح في تعزيز مستويات الاستدامة.