إيجاد الحلول لفجوة الأجور بين المرأة والرجل في الشرق الأوسط
إذا ما نظرنا إلى فجوة الأجور بين المرأة والرجل في الشرق الأوسط، يتبيّن لنا أنّ المنطقة بحاجة إلى 115 سنة لسدّ هذه الفجوة في حال بقيت الأمور على ما هي عليه، مقارنةً بالمعدّل العالمي الذي يبلغ 267,6 سنة، بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي.
قد تبدو هذه النسبة للوهلة الأولى واعدة وسبّاقة، إلّا أنّ التمعّن في هذه المسألة يكشف تفسيرًا مغايرًا تمامًا للوضع. في الواقع، مع أنّ النساء المتعلّمات والمثقّفات يشغلنَ مناصب عالية الأجر، يبقى الواقع أنّ عدد النساء الفاعلات في سوق العمل في الشرق الأوسط أدنى من عدد الرجال، الأمر الذي يفسّر تدنّي الفجوة بين الجنسَين.
لا ينطبق الوضع نفسه على كل دول الشرق الأوسط، والبعض منها يُظهر تقدّمًا ملحوظًا في هذا المجال.
ففي دولة الإمارات العربية المتحدة مثلًا، وبحسب تقرير نشرته وكالة أنباء الإمارات، يقضي قانون العمل بأنّ “يُمنح للمرأة الأجر المماثل لأجر الرجل في حال قيامها بنفس العمل”. وقد دخل مرسوم القانون الاتحادي الذي ينصّ على مساواة الأجور بين النساء والرجال في القطاع الخاص حيّز التنفيذ في شهر سبتمبر 2020.
أمّا في المملكة العربية السعودية، فتراوحت الفجوة في الأجور بين 39 و 48 في المئة عام 2021، لكن المملكة تعمل على تخفيضها تماشيًا مع رؤيتها لعام 2030، بحسب الموقع الإلكتروني الإخباري اندبندنت عربية.
في الواقع، جرّمت كل من الإمارات والمملكة التمييز في الأجور بين الرجل والمرأة.
نصل إلى دولة قطر، حيث بلغت الفجوة في الأجور بين المرأة والرجل نحو 18 في المئة في السنوات الأخيرة، بحسب دراسة أجريت عام 2021.
لكن على الرغم من هذه الإحصائيات الواعدة، يبقى حلّ مشكلة التفاوت بين الجنسَين في المنطقة تحديًا لا يُستهان به، وثمّة عوائق عديدة قد تقف بوجه إحراز تقدّم حقيقي بهدف الحدّ من الفجوة بينهما.
تدنّي نسبة المشاركة في سوق العمل
كشفت دراسة أجرتها شركة “ماكنزي آند كومباني” عام 2020 أنّ معدلات مشاركة النساء في سوق العمل في الشرق الأوسط هي الأدنى في العالم إذ تبلغ 24,6 في المئة.
وبحسب بيانات البنك الدولي، فإنّ أحدث المعدّلات بتاريخ 2021 بلغت 19 في المئة، بحيث احتلّت دولة قطر الصدارة بمعدل 57 في المئة، تليها دولة الإمارات والكويت بمعدّل 47 في المئة، ثمّ البحرين 42 في المئة.
لكن من المتوقّع أن يتغيّر هذا الواقع لتلبية رؤية 2030 التي رسمتها معظم الدول، حيث من المرتقب أن تتضاعف مشاركة المرأة في سوق العمل، ولا سيّما في الوظائف المنتِجة في مجال التكنولوجيا وريادة الأعمال.
التفاوت في التوازن بين الحياة المهنية والحياة العائلية
في ما يخصّ تربية الأطفال والاهتمام بالأسرة، يُنتظَر من المرأة عادةً أن تترك وظيفتها لتعتني بالأطفال وتلبّي احتياجاتهم، على عكس الرجل الذي يُفترَض منه أن يؤمّن نفقات الحياة لعائلته.
لكن هذا المفهوم مدمّر في ظل المساعي المبذولة لإيجاد حل للفجوة في الأجور بين النساء والرجال، إذ أنّه يُشكّل عقبة أمام إشمال عدد أكبر من النساء في سوق العمل.
عواقب جائحة كوفيد-19
عانت المرأة خلال الجائحة من التسريح والعطل غير المدفوعة واقتطاع الراتب، بنسبة أكبر مقارنةً بزملائها من الرجال. وبحسب تقرير نشرته منظّمة العمل الدولية، تراجعت عمالة النساء بين العامين 2019 و2020 بنسبة 4,1 في المئة في الدول العربية مقارنة بـ 1,8 في المئة للرجال. يشير التقرير أيضًا إلى أنّ فرص المرأة في إيجاد وظيفة في هذه الدول أقل من فرص الرجل بخمس مرّات، على الرغم من التوقّعات الإيجابية لعمالة النساء عام 2021.
يُعزى ذلك أيضًا إلى اللامساواة في توزيع النساء على قطاعات مختلفة، وإلى تضرّر القطاعات حيث المرأة ممثّلة بصورة جيّدة أكثر من غيرها جرّاء الجائحة.
خطوات فعّالة لسدّ فجوة الأجور
لا يُمكن سدّ فجوة الأجور بين ليلة وضحاها؛ بل هذه عملية طويلة الأمد تتطلّب مساهمة جدية من الشركات في القطاعَين العام والخاص. هناك تدابير فعّالة يمكن اتّخاذها للمساهمة في تحقيق هذا الهدف وتوزيع الأجور بشكل منصف أكثر.
توظيف عدد أكبر من النساء في مناصب القيادة
عندما تبدأ الشركات بتقدير الأفراد أصحاب الكفاءات بغضّ النظر عن الجندر، تزيد فرص المرأة بتقلّد مناصب قيادية، حتّى في أماكن العمل التي يهيمن عليها الرجال. وهذا أمر لا بدّ منه لتطوّر المرأة ولتُشكّل مثالًا يُحتذى به لغيرها من النساء، ممّا يزيد من مشاركة المرأة عمومًا في مكان العمل.
إجراء تدقيق دوري للأجور
لا يزال الحديث عن الرواتب والأجور يندرج ضمن المحرّمات في العديد من الشركات، ولا سيّما في الشرق الأوسط. لذا فإنّ إجراء التدقيق الدوري للأجور يتيح للموارد البشرية معالجة التفاوت والفوارق وضمان تساوي الأجور بين الموظّفين الذين يشغلون المناصب ذاتها، بغضّ النظر عن عوامل أخرى.
خلق بيئة عمل متكيّفة مع المرأة
على الرغم من تطوّر الدول العربية على صُعد مختلفة، إلا أنّها لا تزال تنظر إلى المرأة بصورة نمطية فتعتبر أنّ دورها الأوّل والأهمّ هو الاهتمام بالمنزل والعائلة. من هذا المنطلق، لا يجدر بالمرأة التكيّف مع مكان العمل، أو قبول تقاضي أجر أقل لأنّ مسؤوليتها الأولى بحسب المجتمع هي الاهتمام بالعائلة، بل يجب أن يتكيّف مكان العمل مع احتياجات المرأة مع الأخذ في عين الاعتبار الأدوار المختلفة الملقاة على عاتقها.
ومن المهمّ أيضًا منح المرأة عطلة أمومة كافية، إلى جانب عطلة أبوة كافية لزوجها، وساعات عمل مرنة، ومساعدتها في نفقات رعاية الأطفال فضلًا عن دعمها لتحقيق التوازن بين الحياة المهنية والحياة الشخصية، فكلّها عوامل ضرورية تساعد المرأة على التوفيق بين مختلف نواحي حياتها من دون المساومة على أدائها في العمل.
مكافأة الموظّفين بحسب أدائهم
غالبًا ما تنشأ الفجوة في الأجور بين الرجال والنساء بسبب نظام المكافآت الذي يستند إلى عدد سنوات الخبرة أو عدد الساعات في مكان العمل، عوضًا عن الأداء.
لكن عندما تكافئ الشركات الموظّفين انطلاقًا من الأهداف المنجزة وجودة العمل، بدلًا من عدد الساعات المكرّسة لأداء مهمّة ما، قد تكتشف حينها أنّ إنجاز العمل بجودة عالية هو مسألة أداء وليس مسألة وقت.
هكذا يتلاشى الرابط بين الوقت والجودة، ليحلّ مكانه الأداء والمهارات والخبرات، وهنا تظهر أهميّة هذه العوامل الثلاثة لتحقيق الجودة.
عندما تبادر الشركات بتطبيق بعض، إن لم يكن كل، هذه التدابير، فعندها لن يبقى سدّ الفجوة في الأجور بين الرجال والنساء هدفًا صعب المنال قد يستغرق أكثر من مئة عام. بل سيصبح واقعًا قريبًا من المتناول يشجّع المرأة على تأدية دور فاعل أكثر بعد في مكان العمل.